بحضور د.البشارى ندوة الفتوى.. توثيق الزواج في الدول الغربية شرط أساسي للاعتراف به قانونيًا.
تقرير عن ندوة: قضايا وحلول ندوة "الفتوى وعلاقتها بالمصريين في الخارج: زواج الأجانب"
كتب….نزار سلامة
انعقدت ندوة “الفتوى وعلاقتها بالمصريين في الخارج: زواج الأجانب” ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب. ..
جاءت هذه الندوة بحضور نخبة من العلماء والمختصين في قضايا الفقه الإسلامي، لتسلط الضوء على أبرز القضايا والتحديات التي تواجه الجاليات المسلمة بالخارج، وخاصة المتعلقة بالزواج، في ظل اختلاف الثقافات والقوانين بين الدول الإسلامية والدول الغربية.
المشاركون في الندوة
شهدت الندوة مشاركة ثلاثة من أبرز العلماء:
1. المستشار ماجد الجنتيلي: رئيس المكتب الفني للجنة العليا للإصلاح التشريعي، الذي قدم تحليلاً قانونيًا للقضايا المطروحة.
2. الدكتور حسن الصغير: الأمين العام لهيئة كبار العلماء، الذي ركز على البعد الشرعي والإشكالات الفقهية المتعلقة بزواج الأجانب.
3. الدكتور محمد بشاري: الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة وأستاذ الفقه الإسلامي، والذي قدم ورقة علمية ثرية تناولت حلولاً عملية وواقعية لمعالجة القضايا الفقهية والاجتماعية للمسلمين بالخارج.
القضايا الرئيسية المطروحة
1. أهمية توثيق الزواج في المجتمعات الغربية
الإشكالية:
أوضح المشاركون أن توثيق الزواج في الدول الغربية شرط أساسي للاعتراف به قانونيًا. في كثير من الحالات، يُكتفى بالعقد الشرعي دون تسجيله، مما يعرض حقوق الزوجة والأبناء للخطر، خاصةً في حالة الطلاق أو وفاة أحد الزوجين.
الحلول المطروحة:
• التوفيق بين العقد الشرعي والمدني: أكد العلماء على ضرورة تسجيل الزواج مدنيًا لضمان حقوق الأطراف المختلفة، مع الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية.
• تعزيز الوعي الشرعي: أوصى الدكتور محمد بشاري بضرورة تثقيف الجاليات المسلمة بأهمية التوثيق لتجنب النزاعات والمشكلات القانونية..
الاستدلال الشرعي:
استشهد الدكتور بشاري بآية “يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه” (البقرة: 282)، مشيرًا إلى أن التوثيق المدني يعزز حفظ الحقوق. كما أضاف أن “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، مؤكدًا أن الجمع بين العقدين ضرورة لتحقيق الاستقرار الأسري.
2. زواج المسلمة من غير المسلم
الإشكالية:
ناقشت الندوة ظاهرة زواج المسلمات من غير المسلمين في الغرب. وأوضح الدكتور حسن الصغير أن هذا الزواج يمثل تحديًا كبيرًا للأسرة المسلمة، لأنه قد يؤثر سلبًا على تربية الأبناء واستقرار الأسرة، بالإضافة إلى تعارضه مع الأحكام الشرعية.
الحلول المطروحة:
• التأكيد على الحكم الشرعي: أوضح العلماء أن هذا النوع من الزواج محرم بالإجماع استنادًا لقوله تعالى: “وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا” (البقرة: 221).
• التوعية داخل الجاليات المسلمة: شدد المشاركون على أهمية تعزيز الوعي بين المسلمين بالخارج بخطورة زواج المسلمة من غير المسلم، وما يترتب عليه من تهديد للهوية الإسلامية..
التجربة المغربية:
أشار الدكتور بشاري إلى مدونة الأسرة المغربية كنموذج يحتذى به، حيث تفرض المدونة قيودًا صارمة على زواج المسلمات من غير المسلمين حفاظًا على الهوية الدينية للأسر.
3. الزواج الصوري (الزواج الأبيض)
الإشكالية:
أوضح المستشار ماجد الجنتيلي أن الزواج الصوري، أو ما يُعرف بالزواج الأبيض، يمثل مشكلة متزايدة في المجتمعات الغربية. يتم هذا النوع من الزواج بهدف تحقيق مكاسب قانونية مثل الإقامة أو الجنسية، دون نية حقيقية للعيش كزوجين، مما يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية.
الحلول المطروحة:
• رفض هذه الممارسات: شدد المشاركون على ضرورة رفض الزواج الصوري، لأنه يخالف جوهر الزواج كميثاق غليظ.
• تعزيز القيم الدينية: دعا الدكتور بشاري إلى تقديم حملات توعية للجاليات المسلمة بالخارج، توضح مخاطر الزواج الصوري من الناحيتين الشرعية والقانونية.
الاستدلال الشرعي:
استشهد العلماء بحديث النبي ﷺ: “من غشنا فليس منا”، مشيرين إلى أن الزواج الصوري يعد من أنواع الغش المحرمة شرعًا.
4. قضايا الحضانة
الإشكالية:
ناقشت الندوة قضية الحضانة المشتركة، التي تُطبق في أغلب الدول الغربية بغض النظر عن دين الوالدين. قد يؤدي هذا إلى تهديد الهوية الدينية للأطفال، إذا كان أحد الوالدين غير مسلم.
الحلول المطروحة:
• إعطاء الأولوية للحاضن المسلم: دعا المشاركون إلى ضرورة إعطاء الأولوية للأم أو الأب المسلم في حال وجود خطر على الهوية الدينية للأطفال.
• التفاوض مع السلطات القانونية: اقترح الدكتور بشاري استخدام مبدأ “تحقيق مصلحة الطفل” كمدخل للتفاوض مع المؤسسات القانونية في الدول الغربية.
الاستدلال الشرعي:
شدد العلماء على قاعدة “درء المفاسد أولى من جلب المصالح” كإطار لحماية الأطفال وتربيتهم في بيئة إسلامية.
مداخلات الدكتور محمد بشاري: التركيز على الحلول العملية
قدم الدكتور بشاري ورقة علمية بعنوان “التحديات والحلول العملية للمسلمين في المهجر”، تناول فيها قضايا الزواج والتحديات الاجتماعية التي تواجه المسلمين بالخارج. ومن أبرز ما طرحه:
1. فقه الأقليات:
دعا الدكتور بشاري إلى تطوير “فقه الأقليات” الذي يراعي الظروف الاجتماعية والقانونية للمسلمين في المهجر. وأكد أن الفتاوى يجب أن تكون مرنة وتحقق التوازن بين الالتزام بالشريعة واحترام قوانين الدول المضيفة.
2. التعاون مع السلطات المحلية:
شدد على أهمية التعاون بين المراكز الإسلامية والمؤسسات القانونية في الغرب، بهدف إيجاد حلول مشتركة تحمي حقوق المسلمين وتضمن الامتثال للقوانين المحلية.
3. الاستفادة من التجارب الناجحة:
أشار بشاري إلى نجاح بعض الدول الإسلامية، مثل الإمارات والمغرب، في وضع أطر قانونية واضحة لحماية الأسرة المسلمة، داعيًا إلى الاستفادة من هذه التجارب.
التوصيات الختامية للندوة
اختتمت الندوة بمجموعة من التوصيات العملية، أهمها:
1. الجمع بين العقد الشرعي والمدني: لضمان حقوق الزوجين والأبناء قانونيًا وشرعيًا.
2. تعزيز التوعية المجتمعية: تقديم دورات تثقيفية للجاليات المسلمة بالخارج حول مقاصد الشريعة الإسلامية في الزواج.
3. إصدار فتاوى ملائمة: تطوير فتاوى تراعي واقع المسلمين في المهجر، دون الإخلال بالثوابت الشرعية.
4. إنشاء شبكات دعم قانونية: العمل على تكوين شبكات قانونية تساعد المسلمين في القضايا الأسرية المتعلقة بالزواج والطلاق والحضانة.
5. التركيز على الأطفال: وضع برامج لحماية الهوية الدينية للأطفال في المجتمعات غير الإسلامية.
الخاتمة
عكست الندوة أهمية الفتوى كأداة لإيجاد حلول عملية للتحديات التي تواجه المسلمين بالخارج. كما أكدت على ضرورة التوازن بين الالتزام بالشريعة واحترام القوانين المحلية لتحقيق الاستقرار الأسري. دعا المشاركون إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات الإسلامية والمجتمعات الغربية لتحقيق مجتمع متكامل يحفظ حقوق المسلمين ويعزز مساهمتهم الإيجابية في البلدان التي يعيشون فيها.