وزير الأوقاف: الإسلام قائم على مراعاة مصالح البلاد والعباد
كتب : نزار العطيقى
أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أنه لعقود طويلة غلبت قضايا التقليد على قضايا التجديد ، وغلبت مناهج الحفظ والتلقين على مناهج الفهم والتفكير وإعمال العقل، وابتلينا بجماعات متطرفة ومتشددة قامت بعملية انتقاء واختيار وتأويل وتفسير يوافق هواها ، وأيديولوجيتها النفعية ، إضافة إلى من يقفون عند ظواهر النصوص دون فهم مقاصدها ، ومن هنا كانت العناية بفهم مقاصد الشرع الحنيف ، وبخاصة فهم المقاصد القرآنية ، والسنة النبوية ، وكان نتاج هذا الجهد كتاب : “فهم مقاصد السنة النبوية .. رؤية عصرية”.
وأضاف جمعة، خلال برنامجه “رؤية” للفكر المستنير اليوم، أن الكتاب يهدف إلى الوقوف على غاية النص ، وهدف النص، ومرمى النص، وفهم النص من خلال إعمال العقل في فهم النص ، وقد ابتُدئ الكتاب ببحث هام عن جوهر الإسلام وأهمية فهم مقاصده ، مؤكدًا أن الإسلام عدل كله ، رحمة كله ، سماحة كله ، تيسير كله ، إنسانية كله ، يقول الله تعالى : “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” ، ولو قال سبحانه: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ” وفقط ، لكانت تأكيدًا على التيسير ، ثم يأتي قوله سبحانه: “وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” تأكيد آخر على دفع الحرج والمشقة عن هذه الأمة وعن البشرية جمعاء ، ألم يقل سبحانه : “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” ، وما خُيِّرَ النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) بيْنَ أمْرَيْنِ إلَّا اخْتارَ أيْسَرَهُما ما لَمْ يَأْثَمْ ، فإذا كانَ الإثْمُ كانَ أبْعَدَهُما منه .
وأضاف وزير الأوقاف: “فالإسلام قائم على مصالح العباد والبلاد ، فحيث يكون الصدق ، والوفاء ، والأمانة ، وصلة الرحم ، والجود ، والكرم ، والنجدة ، والشهامة ، وكف الأذى عن الناس ، وإماطة الأذى عن الطريق ، وإغاثة الملهوف ، وإطعام الجائع ، وكساء العاري ، ومداواة المريض ، والرحمة بخلق الله ، فهذا هو صحيح جميع الأديان السماوية ، وهذا هو الفهم الصحيح للدين ، وحيث تجد قطيعة الأرحام ، والكذب ، والغدر ، والخيانة ، والأنانية ، وضيق الأفق ، والأذى ، والفساد ، والإفساد ، والتخريب كما تفعل الجماعات الإرهابية والضالة ، فهذا يناقض دين الله ، ويناقض كل الأديان السماوية ، وكل القيم الأخلاقية ، وكل المبادئ الإنسانية ، فمن خرج عن العدل ، والرحمة ، والأمانة ، ومكارم الأخلاق فقد خرج على مقتضى الأديان ، وعلى مقتضى الأخلاق ، وعلى مقتضى الإنسانية ، وانسلخ إلى شيء آخر لا علاقة له بالإنسانية ، فرمضان شهر العلم ، شهر القرآن ، وشهر مدارسة القرآن ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ” ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم ): “إذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” ، وكل ما جاء في جانب العلم جاء في مطلق العلم ، وتجد بعض الناس ربما يفهمون هذه الأحاديث خطأ ، أو يضيقون فهمها ، فيظنون أنها جاءت فقط في العلوم الشرعية من الفقه ، والتفسير ، والحديث ، لكن انظر إلى حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : “مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا” جاءت كلمة علمًا نكرة لتفيد العموم والشمول.
وتابع جمعة: “وقوله (صلى الله عليه وسلم) : “إذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” ، بل عندما قال ربنا سبحانه وتعالى:” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” لم يقل اسألوا أهل الفقه فقط، أو أهل التفسير فقط، أو أهل الحديث فقط، أو علماء الأخلاق فقط ، إنما قال:” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ” أي أهل الاختصاص، فنسأل أهل الفقه في الفقه، وأهل التفسير في التفسير، وأهل الطب في الطب، وأهل الهندسة في الهندسة، وأهل الصيدلة في الصيدلة، وعندما قال الحق سبحانه :”يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ” فكلمة درجات لم تخصص بالفقه ،أو بالتفسير، أو بالحديث ، وإنما شملت كل علم نافع ، فالعلم كل ما جاء في القرآن الكريم في تعظيم شأن العلم، وكل ما جاء في سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحث على العلم والتعلم ،وبيان فضل العلم والعلماء إنما يشمل مطلق العلم النافع للإنسانية ، فنحن كما نحتاج إلى علم الفقه، وإلى علم التفسير، وإلى علم الحديث ، نحتاج إلى علم الطب، وإلى علم الصيدلة، وإلى علم الهندسة، والعبرة بإخلاص النية وبما ينفع الناس، ولو سألت أيهما أعلى ثوابًا؟ قلت لك : ما يحتاجه الناس في شئون حياتهم وواقعهم ، فإن كان الناس في حاجة إلى الفقهاء، ولم يكن بينهم من الفقهاء من يقوم بفرض الكفاية الفقهي فثواب تعلم الفقه أعلى وأكبر، أما إن كان بينهم من الفقهاء من يقومون بواجب الكفاية، ولم يكن بينهم من الأطباء أو من الصيادلة أو من المهندسين من يقوم بهذا الواجب الكفائي فالثواب أعلى لعلم الطب وعلم الهندسة ، وما يحتاجه الناس ، والعبرة بما يحتاجه الناس في شئون حياتهم ، وعندما يقول الحق سبحانه :” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” هذا أيضا عام في مطلق العلم النافع نحن نحتاج إلى سائر العلوم الشرعية والعلوم التطبيقية والعلوم الحياتية.
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
واختتم وزير الأوقاف:” بل إن الآية التي يقول الحق سبحانه فيها :” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ “جاءت في سياق الحديث عن الآيات القرآنية يقول سبحانه :”أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ” فجاء قوله تعالى: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ” أي أن من يتأملون في الكون وفي خلق الله وفي ملكوت الله يزداد إيمانهم بالله، ألم يقل سبحانه وتعالى :”سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” ، فنشهد أنك الحق يا رب العالمين وأن خلقك الحق وأن قولك الحق وأن وعدك الحق وأن لقاءك حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن كتابك حق وأن رسولك (صلى الله عليه و سلم) حق”.